سورة البقرة - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


إيمانهم بالغيب اقتضى إيمانهم بالقرآن، وبما أنزل الله من الكتب قبل القرآن، ولكنه أعاد ذكر الإيمان هاهنا على جهة التخصيص والتأكيد، وتصديق الواسطة صلى الله عليه وسلم في بعض ما أخبر يوجب تصديقه في جميع ما أخبر، فإن دلالة صِدْقه تشهد على الإطلاق دون التخصيص، وإنما أيقنوا بالآخرة لأنهم شهدوا على الغيب فإن حارثة لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أصبحت؟» قال: أصبحت مؤمناً بالله حقاً، وكأني بأهل الجنة يتزاورون وكأني بأهل النار يتعاوون وكأني بعرش ربي بارزاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصبْتَ فالْزَمْ».
وهذا عامر بن عبد القيس يقول: لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً. وحقيقة اليقين التخلص عن تردد التخمين، والتقصي عن مجوزات الظنون.


يعني على بيان من ربهم ويقين وكشف وتحقيق، وذلك أنه تجلَّى لقلوبهم أولاً بآياته ثم تجلَّى لها بصفاته ثم تجلى لها بحقه وذاته.
وقوم {على هدىً ربهم} بدلائل العقول؛ وضعوها في موضعهما فوصلوا إلى حقائق العلوم، وقوم على بصيرة ملاطفات التقريب فبمشاهدة الرحمة والكرم وصلوا إلى بيان اليقين، وآخرون ظهرت الحقيقة لأسرارهم فشهدوا بالغيب حقيقة الصمدية، فوصلوا بحكم العرفان إلى عين الاستبصار.
{وأولئك هم المفلحون} الفلاح الظفر بالبُغية، والفوز الطِلبة، ولقد نال القوم البقاء في مشهد اللقاء فظفروا بقهر الأعداء، وهي غاغة النفوس من هواجسها، ثم زلات القلوب من خواطرها، فوقفوا بالحق للحق بلا واسطة من عقل، أو رجوع إلى ذكر وفكر.


من كان في غطاء وصفه محجوباً عن شهود حقه فالإشارة لنعته أنه سيان عنده قول من دلَّه على الحق، وقول من أعانه على استجلاب الحظ، بل هو إلى دواعي الغفلة أميل، وفي الإصغاء إليها أرغب. كيف لا؟ وهو بِكَيِّ الفرقة موسوم، وفي سجن الغيبة محبوس، وعن محل القربة ممنوع، لا يحصل منهم إيمان، لأنه ليس لهم من الحق أمان؛ فلمَّا لم يؤمنوا لم يؤمِنوا. حكم سبق من الله حتم، وقول له فصل، وإن القدرة لا تُعارَض، ومن زاحم الحق في القضية كبسته سطوات العزة، وقَصَمتهْ بواده الحكم.
ويقال إن الكافر لا يرعوي عن ضلالتهِ لِمَا سَبَق من شقاوته، وكذلك المربوط بأغلال نفسه محجوب عن شهود غيبه وحقه، فهو لا يبصر رشده، ولا يسلك قصده. ويقال إن الذي بقي في ظلمات رعونته سواء عنده نصح المرشدين وتسويلات المُبْطِلين، لأن الله سبحانه وتعالى نزع عن أحواله بركاتِ الإنصاف، فلا يدرك بسمع القبول، ولا يُصغي إلى داعي الرشاد، كما قيل:
وعلى النصوح نصيحتي *** وعليَّ عصيان النصوح
ويقال من ضلَّ عن شهود المِنَّةِ عليه في سابق القسمة تَوَهَّمَ أن الأمر من حركاته وسَكَنَاته فاتَّكَلَ على أعماله، وتعامى عن شهود أفضاله.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8